كومبارس فكرة

    لم ألعب دور البطولة بمعناها المشهور في معظم القصص التي مررت بها في حياتي . بل كنت في معظمها ضمن الجموع ( الكومبارس ) كما يسمونه في الأعمال الدرامية.

    ومع ذلك كنت أشعر بأهمية هذا الدور ونبله أحيانا إذ كانت تختفي صورة البطل أو ينحصر ظهورها بحدود الواجب الانتخابي الذي يفرض وجود شخص ممثل للمجموع بينما يظل البطل الحقيقي في المشهد هو الجموع الحاشدة أو (الكومبارس) .

    حدث ذلك معي على مدار رحلتي القصيرة في الحياة العامة ففي الجامعة لم أكن ذلك الفتى الخطيب المفوه الذي يشار إليه بالبنان أو الزعيم القادر على تحريك الجموع ولكنني كنت من وسط هذه الجموع ذلك المقتنع بالفكرة القادر على التنفيذ حتى ولو كان هو الكومبارس الوحيد في المشهد فتنتظم الجموع ليلعب كل دوره فأشعر احيانا رغم بعدي عن الأضواء بأنني بطل في هذه الرواية رغم تشابه دوري مع الكثيرين لكنني كنت أؤديه بحب وإخلاص للفكرة والمبدأ.

    واستمر معي هذا الدور فترة من الزمن عندما كانوا يدفعون بنا في الصفوف الأمامية في المسيرات لأننا تعودنا على شكل العسكر ولم نعد نهابهم كان ذلك قبل عشرين سنة عندما رأيت الحاج محمود غزال يقود الهتاف في مسيرة انتخابية وعندما مر على جنود الأمن المركزي وهم شاهرو سنابك بنادقهم في وجوهنا وإذا به يتحول لنشاط وهمة شاب في العشرين وهو شيخ تخطى الستين في ذلك الوقت ويقول هتافه الأثير (صمت أذن الدنيا إن لم تسمع لنا) فنستمد منه طاقة فوق طاقتنا ونهتف من القلوب قبل الحناجر وتختفي صورة المرشح مهما علا قدره لتبقى صورة الفكرة المجردة وهي تتلألأ في عيون هؤلاء ( الكومبارس ) الذين تصدروا المشهد ليلعبوا دور البطولة.

    مارسنا هذا الدور عندما كان يفتتح أحد الإخوان مشروعا جديدا كنا نحن الزبائن ووسائل الدعاية حتى يختفى صاحب المشروع من المشهد ولا يرى الناس إلا تلك الجموع .

     عندما كنا نسمع بعرس أحد الإخوان كنا نتحرك كأنه عرسنا جميعا ولا اريد أن أتحدث عن الجنائز فهذا واجب يشترك فيه الجميع.

     وعندما وجه الإخوان طلاب الجامعة في أواخر الثمانينات لعدم المشاركة في مؤتمرات الشيخ العريان وكان مرشحا لمجلس الشورى لموافقتها فترة اختبارات يومها خالفنا هذا التوجيه ليس إهمالا للمذاكرة فقد كان اهتمامنا بها موسميا وإنما إحساس بأهمية دورنا كجموع وحشد.

    سألني أحدهم لماذا لم تحضر مؤتمر فلان المرشح للرئاسة ولم يكن هناك توجيه من الإخوان بعدم الحضور ؟

    لم أعرف الإجابة في وقتها لكنني لما سألت نفسي بهدوء لماذا لم تحضر؟ رغم قامة الرجل العالية ومنزلته الرفيعة هو نفس الرجل الذي كنت تتمنى أن تجمعك به دقائق معدودة لتنهل من علمه وثقافته وما الجديد الذي ستفعله هذه المرة غير دور الكومبارس الذي أدمنت لعبه على مدار عشرين سنة وأكثر.

    وكانت إجابتي أنني كومبارس فكرة ولست كومبارس شخص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق