البطلة القديمة



    تقل فرص البطلة ومساحات الأدوار المتاحة لها بمرور السنين تاركة بصماتها على القسمات النضرة مشيرة إلى أفول نجم البطولة المتلألئ بعد سنوات السطوع والتميز كانت فيهم البطلة محط الأنظار ومحور الأحاديث والأحداث.
     صحيح أن البطلة حاولت مقاومة الزمن بكافة الطرق المتاحة مرة بالمساحيق أو بعمليات التجميل أو حتى بتصنع دلال لم يعد لائقا بها. وفي الأخير تستسلم البطلة السابقة لقوة الزمن التي لا تقهر فتقبل بدور ( الأم ) الذي لا يعدو في معظم رواياتنا كونه نوعا آخر من الكومبارس.
    جلست البطلة السابقة تسترجع ذكريات الزمن الجميل أيام أن كانت الدنيا غير الدنيا، أيام أن كان الخير يعم المكان والناس يتمتعون بطيبة فطرية تزين الحياة وتجعل من مجرد تذكرها متعة في حد ذاتها والتفتت لترى الواقع كئيبا مرا إنها في زاوية من زوايا المشهد لا يكاد يشعر بوجودها أحد وهناك بطلة أخرى أكثر شبابا وحيوية يلتف حولها الجميع ويتمنون أن يسعدوا منها بنظرة رضا كتلك التي كانت تمنحها هي ذات يوم.
    إن عين (الكومبارس الأم) الناقدة للعمل الفني بكل تفصيلاته لا تكف عن تسليط الضوء على العيوب والأخطاء التي تراها أحيانا خطايا لا مجرد أخطاء، لأن تاريخها الطويل منحها خبرات كبيرة تمكنها من طرح بدائل للمشاهد المعروضة في الرواية، وبحكم منزلتها التاريخية في النفوس أخذت توزع اقتراحاتها يمنة ويسرة متجاوزة الفارق الزمني الذي يفصلها عن الواقع.
    منحها المخرج في البداية وافر احترامه وتقديره فكيف ينسى أنه ما حلم يوما أن يتقابل معها لا أن يدير عملا هي أحد مفرداته؟؟ لم ينظر إليها يوما على أنها كومبارس إنها بالنسبة له البطلة منذ أن تفتحت عيونه على الدنيا .. ولكنه تدريجيا بدأ يضجر من ملاحظاتها واقتراحاتها التي فاقت الحد- من وجهة نظره - غير أنه كان دوما يتعامل بمزيد من اللباقة التي يفرضها الأدب حينا أو الوفاء حينا آخر – هذه اللباقة التي تضمن له مساحة من الود مع الجميع.
     ولكن اللباقة التي تمتع بها المخرج فارقت البطلة الجديدة تماما التي رأت في انتقادات ( الكومبارس الأم ) نوعا من الانتقاص لها وأحيانا ترجمتها على أنها محاولة لاستعادة مجد ولى زمانه على حساب تألقها ونجاحها ما أصعب التأويلات النسائية وما أكثرها!!!
    دفعتها هذه التأويلات إلى أخذ ملاحظات الكومبارس الأم بعين الترقب بل والتنمر أيضا وربما أصرت على تنفيذ العكس لمجرد إنفاذ إرادتها وتوطيد دعائم نفوذها وسط فريق العمل.
    أصبح التحدي أمام المخرج كبيرا هل يستطيع أن يدير فريقه وبه هذا التباين وصراع الأجيال الذي لا يستطيع أحد حسمه أبدا؟ وهل سيتمكن من إخراج الرواية في الصورة التي يريدها وسط هذا التحدي الكبير؟ سؤال من الصعب الإجابة عنه في القريب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق